محمد بن أبي بكر.. فاتح بيوت اللصوص!

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محمد بن أبي بكر.. فاتح بيوت اللصوص!, اليوم السبت 8 مارس 2025 01:16 مساءً

تعمدت ذكر اسمه لكي يسأل القارئ الكريم نفسه: من هذا؟

إنه محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حَرِيز.

هل عرفته؟

إنه ابن قيم الجوزية أو ابن القيم.

الجوزية مدرسة من أقدم مدارس دمشق، وكان أبوه قيمًا عليها، ناظرًا أو مديرًا، بلغتنا المعاصرة، فأصبح ابنه محمد ابن القيم.

اتفقت الكتب التي ترجمت لابن القَيِّم على أن مولده كان في سنة إحدى وتسعين وستمائة هجرية.

أما عن مكان ولادته فهم يذكرون مكانين، إما جنوب سوريا وإما دمشق.

شأن أقرانه، خاصة وهو ابن عالم من العلماء، حفظ ابن القيم القرآن، وكان ظاهرًا لكل من يجالسه أنه سيمضي لأبعد من حفظ القرآن والأحاديث، وذلك لأنه كان هادئًا هدوء الذي أتخذ بشأن حياته كلها قرارات حاسمة.

كانت أبرز قرارات ابن القيم بشأن حياته هي، الأول: أن يتتلمذ على أيدي أبرز علماء زمانه، وقد فعل ذلك. قال الذين ترجموا له: إن عدد أساتذته ومشايخه الذين تلقي العلم عليهم كانوا أكثر من خمسة وعشرين عالمًا، وكان أبرزهم الشيخ الفقيه ابن تيمية، الذي سيلعب أخطر الأدوار في حياته ابن القيم، كما سنذكر ذلك بعد قليل.

القرار الثاني: الانقطاع للعلم، وكتابته، ومطالعته، وكيف لا يكون شديد الحب للعلم، شديد التعلق به، وهو القائل: "النَّهْمَةُ في العلم، وعدم الشبع منه من لوازم الإيمان، وأوصاف المؤمنين".

القرار الثالث: أن يكون جريئًا وصلبًا في دين الله، ويصدع بالحق؛ ولا يحابي أحدًا فيما يعتقد أنه الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم.

القرار الرابع: أن يكون متجردًا في أبحاثه العلمية من كل هوًى نفسي، أو غرض ذاتي شخصي، وإنما كان يبتغي الوصول إلى الحق والصواب، ولو ظهر هذا الحق على لسان غيره.

القرار الخامس والأخير: أن يحتمل كل ما ستجلبه عليه القرارات السابقة من متاعب ومحن يقابلها صابرًا محتسبًا.

ليس هناك مجال لأن يقول قائل بأن زمن ابن القيم كان مختلفًا، بمعني أنه كان أفضل من زماننا هذا، الحقيقة أن زمنه كان أسوأ وبمراحل كثيرة وكبيرة من أيامنا هذه.

كان الإعصار التتري يضرب كل أرض المسلمين والعرب وكان شيخه المباشر وأستاذه الكبير ابن تيمية يجد ما هو فوق العناء لكي يقنع الناس بجواز قتال التتار، أقول بجواز وليس بفرض أو وجوب قتال التتار.

وأصل القصة أن دارسي التاريخ يعرفون معركة باسم "مرج الصفّر"، بوصفها إحدى ثالث أكبر معركة جرت بين المسلمين والتتار، مسلمو سوريا أحسوا بقدوم التتار فهاجروا إلى مصر والبلاد المحيطة (كما يحدث الآن)، وبقيت جماعة تقاوم. المقاومون كانوا يقاومون علي أمل أن الجيش المصري سيصل الشام سريعًا لكي ينقذها من أيدي التتار.

تأخر وصول الجيش المصري، فبدأ التراجع المزري والوضيع، إنه ذلك التراجع الذي يبحث في الدين عن سبب لمهادنة العدو أو الاستسلام له!

قال المرجفون في المدينة: كيف نقاتل التتار وقد أسلموا؟

هنا ابن تيمية للمرجفين وكأنه يقول لهم "على مَنْ؟ أنت لا تريدون القتال، وأنتم تعلمون أن التتار حتى لو كان بعضهم قد أسلم فهو يعتدون على دياركم بدون سبب ولا ذنب، هم معتدون خوارج على الجماعة، يرون أن من حقهم الحكم لا لشيء إلا لأنهم يريدون الحكم!).

هذا كان لسان ابن تيمية الذي قاتل كثيرًا حتى أقنع الشوام بضرورة قتال التتار، حتى أنه قال لأهله لو رأيتم المصحف فوق رأسي ورأيتموني أقف بجانب العدو فلا تترددوا في قتلي.

بعد قدوم الجيش المصري هزم الشوام التتار شر هزيمة.

ولكن بقي هذا الخلل الفاضح والفادح: البحث في الدين عن آية تبرر الانهزام وعن سطر يبرر الجمود، وهكذا سيدفع ابن تيمية وتلميذه ابن القيم حياتهما ثمنًا للتحرر من هذه الفكرة.

في ظل تلك الأيام المضطربة (الشعب لم يكن يريد فيها قتال العدو) سيكتب ابن القيم مؤلفاته والتي سنذكر أبرزها هنا، إعلام الموقعين عن رب العالمين. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان. إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان. بدائع الفوائد. التبيان في أقسام القرآن. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح. روضة المحبين ونزهة المشتاقين. زاد المعاد في هدي خير العباد.

هل رأيت الكتاب الوارد في ذيل القائمة؟ إنه زاد الميعاد، وما أدراك ما زاد الميعاد.

في زاد الميعاد كان ابن القيم قد نفض يديه من كل خوف من العامة ومن كل شغب من المتعصبين لمذاهبهم (عركة المذاهب قديمة جدا).

في زاد الميعاد سيبرز أسلوب ابن القيم كما لم يبرز من قبل، الرجل وصل إلى مرحلة (السلطنة) كما لو كان يغني أو التجويد لو كان يقرأ القرآن.

هل تعرف هؤلاء الذين يسمون أنفسهم الدعاة الجدد؟

هؤلاء الذين يطلون على المسلمين من تلفزيون المسلمين ليحضوا المسلمين علي الإسلام؟

هل تعرف أنهم قرؤوا كتاب زاد الميعاد تحديدًا، كلمة كلمة وسطرًا سطرًا وفصلًا فصلًا ثم جاؤوا إلي أبرز ما فيه وسجلوه في كشكول، فتري الواحد منهم قد حفظ كشكوله الذي نقل فيه ما يحلوا له من أقوال ابن القيم التي كانت بداية علم وأول طريق إلى معرفة كان يجب أن تتراكم ولو هؤلاء السارقين.

جلس سارق منهم أمام المذيع الجهول فأراد أن يبهر المذيع والمشاهدين، فطلب السارق من المذيع أن "يسمع دي".

وكانت "دي" هي قوله إنه بعد بحث وتدقيق ومراجعة للمراجع والمصادر وبعد كذا وكذا من الجهد، أكتشف أن الأنصار لم يستقبلوا الرسول عندما جاء من مكة مهاجرًا إلى مدينتهم بالنشيد ذائع الصيت "طلع البدر علينا".

طبعًا الموضوع كله هو سرقه من زاد الميعاد لابن القيم الذي أقام دليلًا عقليًا على صحة كلامه فقال: إن مكة جنوب المدينة والقادم من مكة لن يمر بثنيات الوداع لأنها في شمال المدينة، ثم أن المدينة كان اسمها يثرب وظل كذلك لفترة حتى غيره الرسول بينما النشيد يتحدث عن المدينة وكأن اسمها هكذا منذ خلقت.

يخطف الخاطف منهم كل كلام ابن القيم فيفتح به بيته وينفق منه على عياله ثم لا يذكر مجرد ذكر ولا يشير مجرد إشارة إلي ابن القيم الذي هو صاحب الكلام!

صاحب ابن القيم شيخه ابن تيمية منذ عودة ابن تيمة من مصر وإلى وفاته، تلك الملازمة ستجر عليه السجن لأنهم قد سجنوا الشيخ فلابد وأن يسجنوا التلميذ، وكانوا قبل أن يسجنوا التلميذ قد طافوا به دروب دمشق ليشهروا به لأنه أفتى فتوى لم ترق لهم، أنكر مثلا شد الرحال لزيارة قبر الخليل إبراهيم عليه السلام.

وعن معاناة ابن القيم بسبب أرائه الفقهية يقول المقريزي:" وفي يوم الاثنين سادس شعبان - يعني سنة 726هـ- حُبِس تقي الدين أحمد بن تيمية، ومعه أخوه زين الدين عبد الرحمن بقلعة دمشق، وضُرِب شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قَيِّم الجوزية، وشُهِّرَ به على حمار بدمشق، وسبب ذلك: أن ابن قَيِّم الجوزية تكلم بالقدس في مسألة الشفاعة والتوسل بالأنبياء، وأنكر مجرد القصد للقبر الشريف دون قصد المسجد النبوي ".

بعد موت شيخه ابن تيمية أفرجوا عنه فلم يركن إلى الراحة وواصل التأليف ومحاربة الجمود إلى أن توفي  الله في العام 751 هجرية.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق