نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : هل يملك العرب زمام أمرهم؟, اليوم الأربعاء 5 مارس 2025 08:51 مساءً
نشر في الشروق يوم 05 - 03 - 2025
طوت القمة العربية الطارئة في القاهرة لمناقشة مصير غزة صفحتها، ولم تكن في جوهرها ومضمونها غير تكرار للنسخ الماضية من حيث ضعف الموقف والتأثير على مجريات الأحداث، ورغم تبني الدول العربية خطة مصرية لإعادة إعمار القطاع المدمر، رافضة بشدة مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" كشعار واهم، غير أن هذا الموقف سرعان ما اصطدم برفض إسرائيلي أمريكي حاسم، أعاد إلى الأذهان تساؤلا قديما جديدا حول قدرة العرب على امتلاك زمام أمرهم في عالم يبدو شعاره "البقاء للأقوى".
فالقمة، التي حضرها قادة وممثلو الدول العربية، كانت محاولة لاستعادة المبادرة في قضية تُعدّ قلب الصراع العربي-الإسرائيلي، والخطة المصرية التي قدرت تكلفة إعادة الإعمار ب 53 مليار دولار، دعت إلى تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية مستقلة لإدارة غزة مؤقتاً، مع إعادة السلطة الفلسطينية تدريجياً، ورفض أي دور لحماس في الحكم، غير أن الكيان الغاصب، بدعم أمريكي، رفض الخطة العربية، بينما رأت واشنطن أنها لا تعالج الواقع القائم متمسّكة بخطة ترامب.
وهذا الرفض الصهيو-أمريكي ليس مجرد اختلاف في الرؤى، بل تعبير صارخ عن اختلال موازين القوى الذي يحكم العالم اليوم. إذ في ظل هذا الواقع، يبدو العرب كلاعبين على هامش لعبة يحدد قواعدها الأقوياء، فالولايات المتحدة، التي أعادت ترامب إلى البيت الأبيض، تتبنى سياسة "أمريكا أولاً" بقوة أكبر، متجاهلة مصالح حلفائها التقليديين، بما في ذلك بعض الدول العربية، والكيان المحتل يواصل فرض منهجه الوحشي الظالم في المنطقة، مستندا إلى دعم أمريكي لا يتزعزع. وفي المقابل، يمتلك العرب أدوات اقتصادية وسياسية كبيرة من ثروات نفطية إلى مواقع جيوسياسية استراتيجية، لكنهم لا يكافحون لترجمتها إلى نفوذ حقيقي.
وهذا الخنوع العربي المزمن يترجمه غياب الإرادة السياسية الموحدة. إذ رغم الإجماع الظاهري في القاهرة، فإن الانقسامات العربية لا تزال تشل قدرتهم على فرض رؤيتهم، فعدة دول تمتلك اليوم القدرة المالية لدعم خطة إعادة الإعمار، لكن أولوياتها الاقتصادية والعلاقات مع الغرب هي ما يعيق التزامهم الكامل بتطبيق هذا المشروع، في حين تواجه دول الطوق ضغوطاً داخلية وخارجية تحد من هامش مناورتها، أما الدول الأقل تأثيراً، فغالبًا ما تكتفي بالخطابات الخشبية دون خطوات عملية، وهو ما يجعل الموقف العربي المشتت رغم عدالته، ضعيفاً أمام آلة القوة الأمريكية-الإسرائيلية.
ولاشكّ أن التداعيات ستكون أبعد من غزة إذا ما نجح ترامب في فرض رؤيته، إذ أن ذلك سيشجع الكيان الصهيوني على المضي قُدُما في مخططه الواضح في ابتلاع الدول العربية تحت المسمى الكاذب "إسرائيل الكبرى". وهو ما سيجعل العرب أمام سيناريوهات تنهي لا فقط آمال إقامة الدولة الفلسطينية، بل وتجعل من كينونتهم ووجودهم أمرا من الماضي. وهو ما يجعل السعي الى استقلال استراتيجي عبر وحدة حقيقية أمرا حتميا يتطلب رؤية مشتركة، وتضحيات متبادلة، وقدرة على مواجهة الضغوط الخارجية.
إذ في عالم يسوده منطق القوة، ليس كافيا أن يمتلك العرب الحق، بل يجب أن يمتلكوا القدرة على فرضه. فالعرب مجبورون على تحويل أدواتهم إلى قوة فعلية، حتى لا يظلّ دورهم منحصرا في الاحتجاج من بعيد بينما يُقرر الأقوياء مصير المنطقة. والتاريخ يعلمنا أن الضعف ليس قدرا، لكنه أحيانا خيار. واليوم أكثر من أي وقت مضى، يبدو هذا الخيار مكلفاً للغاية على حاضر العرب ومستقبلهم.
هاشم بوعزيز
.
0 تعليق