الإصلاحات الصحية: حين تُصاغ السياسات في الكواليس وتُفرض على الشغيلة الصحية

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإصلاحات الصحية: حين تُصاغ السياسات في الكواليس وتُفرض على الشغيلة الصحية, اليوم الخميس 6 مارس 2025 02:26 مساءً

عبد الحكيم العياط

يعيش القطاع الصحي على إيقاع إصلاحات متسارعة تُطرح تحت عناوين براقة، لكن المتأمل في مسار هذه التحولات يدرك أن الشغيلة الصحية تظل الحلقة الأضعف فيها، إذ غالبًا ما يتم تغييبها عن دوائر القرار، لتجد نفسها في مواجهة سياسات جديدة، أُعدّت دون استشارتها الفعلية، وتُنفَّذ دون مراعاة لواقعها المهني والاجتماعي. هذا الوضع يطرح أسئلة جوهرية حول مدى نجاعة هذه الإصلاحات، وحول ما إذا كانت حقًا موجهة لخدمة المواطن أم أنها تأتي في سياق استجابة لضغوط دولية وإملاءات تقنية لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع الحقيقي للموارد البشرية والبنية التحتية الصحية.

أحد أبرز مظاهر هذا التغييب هو غياب الحوار الاجتماعي الجاد، حيث تقتصر لقاءات المسؤولين مع ممثلي الشغيلة الصحية على مشاورات شكلية، سرعان ما يتم الالتفاف عليها بقرارات جاهزة. فحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2022، فإن 65% من الأطر الصحية يشعرون بأنهم غير ممثلين بشكل حقيقي في صياغة السياسات الصحية، فيما يرى 72% أن الإصلاحات الأخيرة لم تواكب تطلعاتهم ولم تعالج الإشكالات الحقيقية التي يعانون منها يوميًا داخل المستشفيات والمراكز الصحية.

ورغم أن الحكومة تتحدث عن تحسين ظروف العمل داخل المستشفيات، فإن التقارير الميدانية تؤكد عكس ذلك. تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول المنظومة الصحية بالمغرب لسنة 2023 أشار إلى أن هناك خصاصًا حادًا في الموارد البشرية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء 7 لكل 10,000 مواطن هذا المعدل الذي ينخفض بشكل كبير اذا اعتبرنا فقط أطباء القطاع العام، بينما توصي المنظمة بحد أدنى قدره 23 طبيبًا لكل 10,000 نسمة. هذا العجز لا يؤدي فقط إلى إنهاك الأطر الصحية بل يؤثر مباشرة على جودة الخدمات المقدمة للمرضى.

الميزانية المخصصة للصحة لا تزال بدورها دون المستوى المطلوب. فرغم رفع مخصصات القطاع في قانون المالية 2024 إلى حوالي 30 مليار درهم، إلا أن ذلك لا يرقى لمتطلبات الإصلاح الحقيقي. وفقًا لدراسة أجراها المنتدى المغربي للاقتصاد الصحي، فإن تحقيق التغطية الصحية الشاملة يتطلب ميزانية سنوية لا تقل عن 50 مليار درهم، مما يعني أن الفجوة التمويلية لا تزال عميقة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأجور وظروف العمل.

الإصلاحات المطروحة حاليًا، والتي تشمل مشروع الوظيفة العمومية الصحية، لم ترافقها ضمانات كافية لتحسين وضعية الشغيلة. ففي الوقت الذي يتم الترويج لهذا المشروع باعتباره خطوة نحو تحسين أوضاع الأطر الصحية، فإن العديد من النقابات ترى فيه محاولة للتحرر من الالتزامات الاجتماعية، من خلال فرض عقود عمل مرنة قد لا توفر نفس الاستقرار الذي يضمنه النظام الحالي.

ما يزيد من تعقيد المشهد هو عدم مواكبة هذه الإصلاحات بتحسين حقيقي للبنية التحتية الصحية. فبحسب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2022، فإن 40% من المستشفيات العمومية تعاني من تهالك تجهيزاتها الطبية، بينما 60% منها تعاني من نقص في الموارد الأساسية مثل الأدوية والمعدات. في ظل هذه الظروف، كيف يمكن الحديث عن إصلاحات حقيقية دون توفير الحد الأدنى من الإمكانيات اللازمة لنجاحها؟

تهريب الإصلاحات بهذا الشكل لا يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة، فالإصلاحات الحقيقية لا تُفرض من أعلى بقرارات جاهزة، بل تُبنى على أسس تشاركية حقيقية، تأخذ بعين الاعتبار الواقع اليومي الذي تعيشه الشغيلة الصحية. إن تحسين المنظومة الصحية لا يمكن أن يتم دون تحسين ظروف الأطر التي تشكل عمودها الفقري، ودون توفير بيئة عمل تُمكّنهم من أداء مهامهم بفاعلية ودون إنهاك. إن أي إصلاح لا ينطلق من هذه الأولويات يبقى مجرد تعديل شكلي لن يغيّر من واقع الصحة شيئًا، بل قد يزيده سوءًا.

 

 

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق